بينما لا تزال بعض المقاعد في انتخابات التجديد النصفي الأميركية غير محسومة بعد، إلا أن النتائج الكبرى حسمت فوز الحزب الديموقراطي بأغلبية مجلس النواب المقبل، فيما زاد الجمهوريون أغلبيتهم في مجلس الشيوخ.
تغير في المشهد السياسي يطرح تساؤلات حول مدى تأثيره في سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط.
من المتوقع أن يحاول النواب الديمقراطيون بمجلس النواب تشديد السياسة الأميركية إزاء السعودية وروسيا وكوريا الشمالية، والحفاظ على الوضع القائم في قضايا مثل الصين وإيران.
وكانت مصادر عسكرية أميركية قالت لـ "الحرة"، قبل ساعات من غلق التصويت في انتخابات الثلاثاء، إن سيطرة الديموقراطيين على مجلس النواب ستغير استراتيجيات واشنطن في اليمن وتركيا وسوريا ومصر.
لكن ذلك كله يظل رهنا لتوازنات قانونية وسياسية حسبما يقول المحلل الأميركي المختص بالسياسة الخارجية وشؤون الشرق الأوسط مات برودسكي.
ويوضح برودسكي لـ "موقع الحرة" أن "التوجه العام في السياسة الخارجية لإدارة ترامب لن يتغير لأن الدستور الأميركي يمنح السلطة التنفيذية والرئيس صلاحيات واسعة للتعاطي مع السياسة الخارجية".
غير أنه يضيف أن "الكونغرس الأميركي وبالتحديد مجلس النواب يسيطر على كيفية إنفاقنا الأموال، ولن أندهش إذا رأيت الكونغرس يتصرف بشكل أكبر بدافع الرغبة في الصراع مع الرئيس وليس الحفاظ على توازن المصالح الأميركية" في الشرق الأوسط.
ومن المنتظر أن يضع فوز الديموقراطيين بأغلبية مجلس النواب، ترامب أمام اختبار لقدرته على المساومة وهو أمر لم يبد اهتماما كبيرا به خلال العامين الماضيين مع سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونغرس.
ويقول برودسكي إنه رغم ذلك وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية فإن "حلفاءنا في الشرق الأوسط سيحتاجون الآن للتعاون مع الرئيس ترامب أكثر من ذي قبل" لأن البديل من وجهة نظره هو "حزب يتعامل مع النظام في طهران باعتباره صديق".
أجندة ديموقراطية
بعد انتهاء المعركة الانتخابية برز اسم النائب عن ولاية نيويورك إليوت إنغل كأقرب المرشحين لرئاسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب.
إنغل تحدث الأربعاء في تصريحات لوكالة "رويترز" عن بعض أولويات الديموقراطيين في المجلس فيما يتعلق بالشؤون الخارجية، وقال إن حزبه قد يسعى للإلزام بتصريح الكونغرس فيما يتعلق باستخدام القوة العسكرية في العراق وسوريا.
غير أنه أوضح أن الحزب الديموقراطي لا يعتزم التربص بسياسات ترامب مؤكدا في الوقت ذاته " أعتقد أن من واجبنا مراجعة السياسات وممارسة الدور الرقابي".
وحسب مراسل "الحرة" فإن أجندة الحزب الديموقراطي حيال السياسة الخارجية تشمل عدة نقاط بينها وقف الدعم الأميركي للحرب في اليمن "بسبب الانتهاكات السعودية ضد المدنيين هناك".
ويقول مات برودسكي "لن يكون مفاجئا رؤية الولايات المتحدة تضع قيودا على أنظمة التسليح والتدريب التي نزود بها السعودية".
ويسعى الديموقراطيون كذلك لوقف صفقات أسلحة عقدت مع تركيا تشمل صفقة بيع 100 طائرة مقاتلة من طراز أف-35 إلى أنقرة "نظرا للسجل التركي في حقوق الإنسان".
ويفيد مراسل "الحرة" بأن الديموقراطيين يريدون "دعما أميركيا كبيرا غير مشروط" للأكراد في سوريا والعراق، وكذلك السعي للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد بوصفه مجرم حرب.
تعقيدات ووجوه جديدة
الكاتبة الصحافية والمختصة بالشأن الأميركي جويس كرم تقول لـ "موقع الحرة" إن تأثير نتائج الانتخابات سيظهر بعد "تولي الديموقراطيين في مجلس النواب رئاسة اللجان المختصة بوضع الموازنة وعقد جلسات الاستماع والاستدعاءات والقيام بتحقيقات قد تطال شركات ترامب بقدر ما قد تطال الصرف العسكري في حروب خارجية".
الكاتب الصحافي الفلسطيني ومدير شبكة الإعلام المجتمعي بالأردن داود كتاب يقول من جهته إن "السياسة الخارجية في أميركا يحددها بالأساس البيت الأبيض والسلطة التنفيذية. السلطة التشريعية لا تملك أدوات قوية للضغط".
ويوضح في حديثه لـ "موقع الحرة" أن "مجلس النواب الديموقراطي سيصرف وقتا واهتماما في سياسات ترامب بشكل عام" مشيرا إلى أن ذلك سينسحب على السياسة الخارجية لواشنطن، مضيفا أن انخراط مجلس النواب في الصراع مع ترامب "قد يؤثر على السياسة الخارجية بواحدة من طريقتين، إما تراجع في المغامرات الخارجية أو العكس".
وثمة عامل قد يكون بدوره مؤثرا في كيفية تعاطي مجلس النواب مع السياسة الخارجية، وهو عامل الوجوه الجديدة.
وقد أتاحت انتخابات الثلاثاء تجديد مقاعد الكونغرس إلى حد كبير مع دخول نساء وتقدميين شباب وممثلين لأقليات، وقد يضفي ذلك تنوعا يؤثر على توجهات الأغلبية الديموقراطية تجاه القضايا الدولية.
ويشير كتاب إلى ذلك قائلا: "لأول مرة سنرى في الكونغرس امرأة من أصل فلسطيني هي رشيدة طليب وأخرى من أصل صومالي وسنرى الكثير من الأعضاء الشباب وممثلي الأقليات ومختلف أطياف التنوع الأميركي. هذا يضعف اليمين الأميركي ... ولكني أعود مجددا لأقول إن السياسة الخارجية الأميركية تصنع في البيت الأبيض وليس في الكونغرس".
ويضيف "مجلس النواب لديه وسيلة ضغط مهمة تتمثل في المال ... وهنا يأتي السؤال: هل الكونغرس بوجود الديموقراطيين مستعد لعقد صفقات (مع الإدارة) مقابل مثلا الموافقة على الميزانية العامة أو وقف الحرب في اليمن أو وقف الدعم للسعودية أو تغيير الموقف من القضية الفلسطينية؟ هذا سؤال مهم".